الْإِسْــرَاءٍ وَالَـمْـعَـرَاجٍ

09 يوليو 2010




تُظلنا هذه الأيام ذكرى الإسراء والمعراج ، إحدى معجزات النبوة وحقائق الرسالة ،  أُسري فيها بالرسول صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن هناك عُرج به إلى السماوات العلا إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ، حيث التقى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالأنبياء فتحقق الرباط الزماني والمكاني ، وهناك رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم- من آيات ربه الكبرى.


تمر علينا الذكرى والأمة من ضعف إلى هوان ، والأقصى أسير تحت أيدي اليهود ، والمقدسات يُعبث بها ، وأرض الرسالات ومهد الأنبياء تدوسها أقدام المحتل ، وتنتهك حرمات أهلها أيدي الغاصبين ، تأتي ذكرى الإسراء والمعراج وقد أصبح الجهاد إرهابًا ، والإرهاب والاحتلال الصهيوني مشروعًا، وإلتبس الحق بالباطل على كثير من الناس، كيف لنا أن نحيا هذه الذكرى في ظل هذا الواقع الأليم ؟!



بين يدي الاحتفال

جاء في (لسان العرب) لابن منظور عن مادة (ح. ف. ل): (حَفَل الماء واللبن يحِفل حَفْلاً وحُفُولاً وحَفيِلاً (اجتمع)، والقوم حَفْلاً: اجتمعوا واحتشدوا، والسماء: اشتدَّ مطرُها وجدَّ دفعها، والدمع: كثر، والشيء: جمعه، والوادي بالسيل: جاء بملء جنبيهِ



واحتفل الماءُ: تجمَّع، والقومُ اجتمعوا، والشيء: انجلى، والطريقُ: بان وظهر، والفرَس: ظهر لفارسهِ، واحتفل فيهِ: بالغ، وبالأمور: أحسن القيام بها، والوادي بالسيل: جاء بملءِ جنبيهِ، وما احتفل بهِ: ما بالى، ورجلٌ ذو حَفْلةٍ: أي مبالغٌ فيما أخذ فيهِ.
وفي (القاموس المحيط)- وجَمْعٌ (حَفْلٌ وحَفيلٌ:) كثيرٌ.



وفي (الوسيط)- احْتَفَلَ الشيءُ: اجتمع.. يقال: احتفل القومُ في المكان واحتفل اللبن في الضُّرع/ وظهر واستبانَ.. يقال: احتفل الطريقُ/ والمرأَةُ: تزينتْ/ وبالأمر: عُني به/ وبفلان: أكرمَه واهتم به.


واحتفل يحتفل ومصدره الاحْتِفَالٌ، يقال احتفل الشعب أي أقام احتفالاً، وبقائده أي كرمه، واحتفل المجلس بالناس إذا امتلأ بهم، واحتفل بالأمر أي بالغ فيه وعُني به، ويقال احتفى فلان بفلان غايةَ الاحتفاء إذا بالغ في إكرامه واحتفى به أكرمه واهتم به.


و(الحَفْلَةُ): الزّينَةُ (يقال: هو ذو حفلة) والاحتفال (يقال: أَقام له حفلة استقبال) والمُبالغةُ في الأمر والاهتمامُ به.


وعليه فإن الاحتفال في معناه العام يعني الاجتماع والاحتشاد والاهتمام والاعتناء بالشيء، وفي الإسراء والمعراج يكون الاحتفال معناه الاجتماع والاحتشاد والاهتمام، والاعتناء بهذه الذكرى العطرة، وذلك بذكر الرحلتين وما رأى فيهما النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مشاهد ورؤى، وتلمُّس العظة والعبرة والدروس العملية المصطفاة التي تفيدنا في واقعنا المعاصر.


صحيح أنه لم يرِد ولم يشرع فيها قيامٌ ولا في صبيحتها صيامٌ، وليس واجبًا أو مندوبًا أن يأتي المسلمُ فيها أو في صبيحتها بأي عمل تكليفي، أي من شأنه أن يكون المسلم مكلَّفًا به، لكن كل ما في أمر الإسراء والمعراج هو أنه حادث تواترت الروايات على وقوعه وحدوثه وثبوته، ومن هنا فالإسراء والمعراج حقيقة متواترة.


فهو حدث نبوي إسلامي وقع للنبي- صلى الله عليه وسلم- فشأنه لنا أن نأخذ منه العظة والعبرة والأسوة الحسنة ومدارسة حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- لننهل منها ما يعيننا على لأواء الحياة، وكيف كان الصبر رفيق النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كان اليسر رفيق العسر، والفرج رفيق الكرب، وكيف أن هذا الحدث جاء بعد عام الحزن وبعد أن أصيب صلى الله عليه وسلم في قومه، وكيف أن الله أراد أن يسرِّي عن رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يكرِّمه بعد أن أعرض عنه الناس في الأرض وأعرضت عنه قريش وأعرضت عنه ثقيف بعد رحلته إلى ثقيف ولقي منهم ما لقي، كل هذا وهو يتفانى في تبليغ ما كلِّف به ابتغاء وجه ربه، بعد هذا أراد الله أن يكرِّمه فيصلي بالأنبياء إمامًا ويستقبله الملائكة ويستقبله النبيون والمرسلون في السماوات، ويعرج به إلى العلا، إلى مكان لم يصل إليه أحد من قبله.


يستوي أخذ العبرة من هذه الذكرى كما في مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما في هجرته، فالهدف مدارسة حياة النبي صلى الله عليه وسلم لأخذ العبرة والعظة والهدي الحسن..


من ثمرات الإسراء والمعراج

لم يرِد حديثٌ صحيح عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا قولٌ صحيح لأحد الصحابة رضي الله عنهم يقول إن الإسراء والمعراج كان في شهر رجب، أقرَّ هذا الكلامَ خاتمةُ الحفَّاظ الحافظ بن حجر العسقلاني شارح البخاري، ولكنه قول اشتهر وقال به بعض أهل العلم ونُسِب إلى الإمام النووي؛ حيث اختاره في فتاواه، ومن هنا اشتُهر أن الإسراء والمعراج كان في شهر رجب، ومنهم من يقول إنه- أي الإسراء والمعراج- كان في السابع والعشرين من شهر ربيع الأول.



كما قلنا فإن العبرة من سرد أو عرض أي حدث تاريخي- ولا سيما في تاريخ الإسلام، وبالأخص فيما هو من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم- هي استخلاص العبرة الحقيقية وأخذ العظة والعبرة واستخلاص ما يكون رصيدًا لما هو آتٍ في مستقبلنا.
وتتجلى ثمرات الإسراء العظيمة وتزدهي ولا تخلَق ولا تتبدَّد، فكثيرة وعظيمة تلك الفوائد والثمرات التي نجنيها من ذكرى الإسراء والمعراج والتي منها:



أولاً: الأقصى محور ريادة الأمة الإسلامية


لقد انتهى الإسراء أفقيًّا ببيت الله المقدَّس في أرض فلسطين، ثم ابتدأت منه رحلة المعراج، فكان المسجد الأقصى محورَ الرحلة المباركة مكانًا ومحورَها مكانةً كما سيأتي، ومع الأسف الذي يندى له الجبين انشغل الناس بكل القضايا على صغرها وضعف أثرها ونسوا أو تناسوا أهم القضايا وأُولى القضايا قضية المسلمين الأولى في هذا العصر، وهي قضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، الأرض المباركة، ولو لم يكن من ذكرى الإسراء والمعراج إلا تذكير الناس بالأقصى ومحاولة وضع الحلول العملية لاسترداده إلى ديار المسلمين لكفى.


ولعل من جلال أهمية هذا البيت المقدَّس أنه أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، ثالث ثلاثةِ مساجد تشد إليها الرحال، والذي صلى إليه المسلمون مدةً طويلةً من الزمن، ربط الله سبحانه وتعالى بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ولم يكن من ضرب العبث أن يعرج الله بنبيه من المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى دون أن يكون لهذا جدواه؛ حيث إن انتهاء الإسراء بالقدس في هذه الرحلة مقصودٌ، وابتداءَ المعراج به كذلك مقصودٌ فالعلاقة وثيقة بين المسجدين الحرام والأقصى.


فالمرور بالمسجد الأقصى كان مقصودًا، والصلاة بالأنبياء الذين استقبلوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بيت المقدس، وأنه أمَّهم، كل هذا له معناه ودلالته، وهو أن القيادة قد انتقلت إلى أمة جديدة وإلى نبوة جديدة، إلى نبوة عالمية، ليست كالنبوات السابقة التي أرسل فيها كل نبي لقومه خاصة، هذه نبوة عامة خالدة لكل الناس، لكل العالمين، رحمة للعالمين، ولجميع الأقاليم ولسائر الأزمان، فهي الرسالة الدائمة إلى يوم القيامة، عموم هذه الرسالة وخلودها كان أمرًا لا بدَّ منه، وهذه الصلاة بالأنبياء تدل على هذا الأمر، والذهاب إلى المسجد الأقصى وإلى أرض النبوات القديمة، التي كان فيها إبراهيم، وإسحاق وموسى وعيسى إيذانٌ بانتقال القيادة.. القيادة انتقلت إلى الأمة الجديدة وإلى الرسالة العالمية الخالدة الجديدة.. أمة الإسلام أمة محمد صلى الله عليه وسلم.


هذا الربط بين المسجدين المسجد الحرام والمسجد الأقصى يُشعر الإنسان المسلم أن لكلا المسجدين قدسيتَه، فهذا ابتدأ الإسراء منه وهذا انتهى الإسراء إليه، وكأن هذا يوحي بأن من فرَّط في المسجد الأقصى يوشك أن يفرِّط في المسجد الحرام، ولو فرَّط في منتهى الإسراء يمكن أن يفرِّط في مبتدئه، أراد الله- سبحانه وتعالى- أن يرتبط في وجدان المسلم هذان المسجدان، المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وأراد الله أن يثبت المسجد الأقصى بقوله الذي باركنا حوله، هكذا بهذا الوصف، وصفه بالبركة، وهذا قبل أن يوجد مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ لأن المسجد النبوي لم ينشأ إلا بعد الهجرة في المدينة، فأراد الله أن يوطد هذا المعنى ويثبته في عقول الأمة وقلوبها، حتى لا يفرِّطوا في أحد المسجدين.


ومن جميل شأن الأقصى أن له علاقةً وطيدة بفرضية الصلاة، فحينما فرضت الصلاة كان المسلمون يصلون إلى بيت المقدس، كان بيت المقدس قبلتهم ثلاث سنين في مكة وستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا في المدينة، صلوا إلى هذا المسجد.. إلى بيت المقدس، وبهذا كانت القدس هي المدينة الثالثة المعظمة في الإسلام بعد مكة والمدينة.


هكذا ينبغي أن يعي المسلمون أهمية القدس في تاريخهم وأهمية المسجد الأقصى في دينهم، وفي عقيدتهم وفي حياتهم، ومن أجل هذا حرِص المسلمون طوال التاريخ على أن يظل هذا المسجد بأيديهم.


وقد أراد الله تعالى أن يربط هذا المسجد بهذه الذكرى لنظل في كل عام كلما جاءت ذكرى الإسراء في أواخر رجب (أو ربيع الأول، أو حسبما اختلف المؤرخون في تحديد زمان الذكرى) ويحتفل بها المسلمون في كل مكان نتذكر هذا الأمر الجلل، هذه القضية الخطيرة، هذه القضية المقدسة.. قضيتنا الأولى.


فلا يمكن أيها الإخوة أن نفرِّط فيها، إذا كان اليهود قد حلموا بإقامة دولة واستطاعوا أن يحققوا حلمَهم، فعلينا أن نحلم نحن بأننا لا يمكن أن نفرط في مسجدنا، حتى وإن رأينا الواقع المرَّ يدفعنا إلى الاستسلام والهوان والانهزامية، فلا بد من أن نخلع ثوب الانهزامية ونحيا منتصرين.. مقاومين.


يجب أن نعتقد أن الله تبارك وتعالى معنا وأن الله ناصرنا وأنه مظهر دينه على الدين كله، وأنه ناصر الفئة المؤمنة، وكما روى الإمام أحمد والطبراني عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جابههم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" فهذه هي العبرة الأولى من قصة الإسراء والمعراج.


الصلاة معراج المؤمنين


العبرة الثانية وهي عبرة باقية أيضًا ما دامت السموات والأرض، ألا وهي الصلاة؛ فقد فرضت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج، وكأن المسجد الأقصى ووراثة الخيرية والشرف على العالمين هي جائزة الإسراء والصلاة هي جائزة المعراج.


لقد فرضت الصلاة على رسول الله وعلى الأمة الإسلامية في هذه الليلة ولو كان الوحي كفيلاً بتبليغها لرسول الله لنزل بها جبريل، ولكنها عبادة ذات فضل عظيم وشرف كبير لم تنل هذا الشرف عبادة قبلها، تلقاها خير البشر من رب العالمين، وهناك فُرِضت عليه هذه الصلوات الخمس، فكل العبادات فُرِضت على الأمة نزل بها جبريل إلى الأرض موحيًا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الصلاة فقد تلقَّى النبي صلى الله عليه وسلم أمر تكليفها بنفسه من ربه، ليس بينه وبينه ملك ولا نبي.


ففرضية الصلاة في الملأ الأعلى وفي هذه البقعة المباركة من ملكوت الله لهو دليل على أهمية هذه العبادة وهذه الفريضة أو هذا الركن من أركان الإسلام، فالصلاة لهذا معراج المؤمن يعرج إلى ربه كل يوم خمس مرات يسأله ويناجيه ويشكو إليه ويستعين به ويتوكل عليه.


ومن عجيب أمر الصلاة أنها العبادة الوحية في الإسلام التي لا تسقط بأي حال من الأحوال، لا يُسقطها عن المسلم إلا أحد أمرين: إما الجنون أو الموت، وأمر ثالث خاص بالنساء وهو نزول الدم، أما غير ذلك فلا يمنع من الصلاة مانع، وتؤدَّى في أي مكان وبأي كيفية، قائمًا أو قاعًا أو نائمًا أو على جنب، لا يُسقطُها أي عذر حتى مَن فقَد الطهورين الماء والتراب فله أن يصلي بلا وضوء وليس عليه إعادة على رأي من رأى ذلك من الفقهاء.


ومن عجيب شأن الصلاة أنها أول ما يحاسب عنه العبد فإن سلمت الصلاة وكانت قد أقيمت بخشوع وخضوع وأحسن المصلي إقامتها وركوعها وسجودها ووضوءها فما بعدها أيسر وأهون وأصلح، وإن فسدت أو لم تكن قد أديت الأداء الأوفى وأقيمت الإقامة المثلى فهذا نذير شرٍّ لصاحبها.


ومن عجيب شأنها أيضًا أنها الفريضة الوحيدة في الإسلام التي يُضرب عليها الأطفال وهم دون سن البلوغ؛ حيث يأمر الإسلام أولياء الأمور أن يعلموا أولادهم الصلاة وهم أبناء سبع، وأن يضربوهم عليها وهم أبناء عشر، فما أروَعَه من إسلام يرى ضرب الأولاد على الصلاة وهم في العاشرة من أعمارهم عبادةً وتطوعًا إلى الله!!


فالصلاة معراج روحي لكل مسلم، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عرج به إلى السموات العلا فلديك أخي المسلم معراج روحي تستطيع أن ترقى به ما شاء الله عز وجل، ألا وهو معراج الصلاه. 







3 التعليقات على الْإِسْــرَاءٍ وَالَـمْـعَـرَاجٍ

  1. السلام عليكم

    ازيك محمد باشا اخبارك ايه طمنا عليك ياريس مينفعش الاختفاء الغير مبرر دا شكلك اتجوزت وخلفت كمان والعيال لهتك عننا هههههههههه

    انا شخصيا مكنتش هزعل لو اتفجأت بكده لأنك عارف اني هاكون فرحان لك من قلبي بس اعملها انت بس

    دخلت امتحان مايو ولا أجلت لاكتوبر
    عرفني اخبارك ياريس على الميل او حتى اعمل عمليه اسشتهاديه وكلمي على الموبايل هههههههههه

    كل سنه وانت طيب
    وكل سنه والمسلمين في احسن حال

    تقبل مروري وتحيتي

  1. قلم رصاص
    إزيك يا صديقي العزيز يارب تكون بخير وأسف علي التقصير بجد غصبن عني سامحني إنما مفيش زواج ولا حاجه مش هعملها متقلقش
    دخلت يا ريس دور مايو ورجعنا ذاكرنا تاني ولا طلاب الثانويه العامه إنما لنا لقاء آخر في دور أكتوبر لأني بحب أتسلح دايما بروح اكتوبر في أي حاجه بعملها ههههه
    دعواتك ياريس لينا وتاني مره بجد أسف علي تقصيري وسامحني بجد
    في رعايه الله وحفظه

  1. أم الخلود
    وفقكم الله فيما تسعون إليه
    شكرا للمرور


2010 شَـوَيَـهً كُـرَامَـه

Design by Money Saving Tips | Blogger Templates by Blogger Template Place | تعريب و تطوير : حسن